إن الذكريات في بعض الأحيان لا تكتسب معناها إلا خلال سنوات لاحقة من العمر. فحينما كنت طالباً جامعياً، اعتدت أن أعمل في عطلات نهاية الأسبوع في دارٍ للمسنين. وكانت إحدى مسؤولياتي هي نقل عربة الخبز: بحلول نهاية فترة ما بعد الظهرظن كنت قد انتهيت من جولتي على الغرف، أنا ومساعد الأشخاص المسنين، حيث كنا نقوم بتوصيل الوجبة اليومية الباردة. فإذا ما كان هناك شخص معاق إعاقةً بصريةً أو كان يعاني من صعوبةٍ في المشي، كنا نعدّ له طاولة الطعام أيضاً. وبعد ظهر أحد الأيام، وبينما كنا نفتش في خزانة أطباق أحد المقيمات بالدار عن أطباق الصيني والسكاكين، فوجئنا بالسيدة تخبرنا أن هناك رجلاً قصيراً يقف بالخارج في الحديقة. فاندهشنا، رجلٌ قصيرٌ؟ تتبعنا اتجاه نظراتها. لكننا لم نجد شخصاً غير مألوف في الحديقة. إلا أنها أصرت على أنه: ’ثمة رجل قصير يقف هناك‘. فنظرتُ لكي أرى ما إذا كان هناك أي شيء ربما تكون قد أخطأت وظنّته رجلاً. فوجدتُ أن هناك مصباحاً بين الشجيرات، يبلغ ارتفاعه حوالي متراً، ومنكفئ فوقه غطاءٌ، بدا بشكل مبهم كأنه قبعة. ’هل تقصدين ذلك المصباح هناك؟‘ ’بالطبع لا! أستطيع أن أميِّز أنه مصباح!‘ ثم أكدّنا لها أن أياً منّا لم يرَ أحداً بالخارج. وبينما كان المساعد يدفع بالكرسي الذي كانت المرأة تجلس عليه ليقرِّبه من الطاولة، أخذت عيناها تدوران في تبرُّم واستنكار وهي تنقر على جبهتها بأحد أصابعها. في تلك اللحظة، بدا لي أن ذلك كان تفسيراً مُرضِياً. حينئذٍ صِحْنا بابتهاج قائلين، ’استمتعي بوجبتك!‘ ثم تابعنا طريقنا.nnثم قرأت بعد مرور ما يقرب من 20 عاماً عن متلازمة نادرة للغاية تصيب كبار السن بشكل أساسي بفقدان البصر، حيث يبدأون في رؤية أشياء غريبة. وعادة ما تكون هذه الأشياء صوراً للأشخاص، كما أنها غالباً ما تظهر بشكلٍ مُصغَّرٍ. وتظهر بالتحديد عندما يجنّ الشفق ومن ثم تميل إلى الثبات والهدوء. وتُسمى هذه الظاهرة، والتي هي غير مؤذية تماماً، بمتلازمة بونيه. وقد سُميّت كذلك تيّمناً شارل بونيه، وهو عالم طبيعة وفيلسوف سويسري، كما أنه أول من قدَّم وصفاً لهذه الصور في العام 1760. ولم يكن بونيه قد رآها بنفسه، بل عَلِم بها من قبل جده، الذي بدأ في رؤية صور الأشخاص عندما كان عمره يقرب من 90 عاماً، عقب الفشل الذي باءت به العديد من عمليات المياه البيضاء التي أُجريت له.

Additional information

اسم الموضوع

سنه النشر