انحنت بشدة شجرة الصنوبر العتيقة، المنعزلة على الطرف الشرقي الأقصى للشاطيء منذ القرون التي شهدت رياح المحيطات، حيث بدت وكأنها حارس أبدي للشاطئ، الذي كان ظلامه يميل بدرجة كبيرة إلى اللون الرمادي عندما يحل المساء، فيبدو مثل حفنةٍ من الرماد الدقيق الذي كوَّمته يدُ عملاقٍ قُبالة الساحل. لقد كان الشاطئ يمتد عرضاً على كلا الجانبين كما كان يمتد من الوراء ليصل إلى سفوح الجبال المرتفعة الواقعة في الخلف، والتي كانت قممها مُغطاة بالصخور الجرداء القاحلة التي خلت إلى الأبد من مظاهر الحياة. وعلى النقيض من ذلك، كانت المنحدرات السفلى مُغطاة تماماً بالأشجار الخضراء، النامية والمتشابكة معاً في التصاق وثيق. وهنا، دائماً ما كان كلاً من الحياة والموت يصارعان بعضهما البعض بشكل مستمر، من دون أن يلتفتا لأية قواعد إلا تلك التي وضعاها بأنفسهما … ودائماً ما كانت الطبيعة تتسم بالاضطراب، والخصوبة، حيث كان الموت يعقب الولادة دون انقطاع. وثمة تشقق آخر كان يحدث دائماً. وحتى يومنا هذا، يبدو الأمر كما لو أن هذه الطبيعة، وذلك البحر, وتلك السماء، يمكنهم أن يبقوا ثابتين إلى الأبد دون أن يتغيروا … وبدا الزمن متوقفاً بين فترتي الوجود واللا وجود؛ حيث كانت الحياة هادئة ورتيبة في مثل تلك الساعات الفاصلة من إحدى الليالي التي تقترب خلسة، والتي تنتهي بالبزوغ المفاجىء لقمر متلأليء نحاسي، ونقي، على صفحة السماء المظلمة. وبشكل تدريجي، تغيّر لون القمر؛ حيث كان لونه الأول أزرقَ جليدياً بارداً تبعه لونٌ قرمزي محترق، إن شعاع القمر الفضي أضفى ضوءاً على الرمال اللانهائية للشاطيء الهاديء، وعلى مياه الخليج المتسعة ذات اللون المريمي، وشجرة الصنوبر العتيقة شبه الجافة التي لا تزال تحتفظ بكبريائها برغم هيئتها التي تبدو مُزرية. ولم تضن شجرة الصنوبر، هذه السيدة العجوز الأنيقة، على تلال الجبال الضبابية بتقديم معونتها لكي تفضح الأشجار التي خاب أملها في الحب.nثم فجأة، بدأ التشقق.