في عام 2009، قابلتُ بعض الناشرين أثناء زيارتي لألمانيا، وعند دعوتي لهم بزيارة مصر، فوجئت عندما قالوا إنهم لا يستطيعون الذهاب إلى مصر، لأنهم يسافرون فقط إلى الدول التي يمكن السفر إليها بالقطار، وذلك لأنهم يحاولون تجنب السفر بالطائرة في محاولة منهم لتقليل تلويثهم للبيئة بقدر إمكانهم. وهو ما كان جديدًا بالنسبة لي.nnثم في عام 2010، بعد أن نشرنا كتاب “تاريخ غير تقليدي للجري” للمؤلف النرويجي “ثور جوتاس”، وعند محاولة التواصل مع الكاتب بعد النشر لشكره على مساعدتنا في الكتاب، قيل: “إنه سيكون منشغلًا حتى آخر العام”. وعند السؤال عن السبب: كانت الإجابة: “إنه يزرع 1000 شجرة!”، فأبدينا اندهاشنا وسألنا: “لماذا؟”.. “إن هذا الكتاب تُرجم إلى العديد من اللغات وبيع عدد كبير من النسخ حول العالم، وقد شعر المؤلف بأنه كلف البيئة أضرارًا كبيرة بسبب الورق الذي استُخدم في طباعة كتبه حول العالم. فقام بحساب عدد الأشجار التي استُخدمت لصناعة الورق الخاص بكتبه، وبناءً عليه؛ قرر زراعة 1000 شجرة لتعويض ما استهلك بسببه”. لم أستطع أن أخفي اندهاشي وإعجابي من هذا الموقف، وزاد احترامي للكاتب بشكل كبير. وذلك ما عرفته بعد قراءة هذا الكتاب؛ الأثر التعويضي أو The Offset.nnوبعد مرور سنوات، وفي فرنسا عام 2019، أثناء سفري هناك، كنت أستخدم تطبيقًا للهاتف خاصًا بالمواصلات، وهو يعمل كالآتي: أحدد الوجهة التي سأذهب إليها، فيحدد لي طرق المواصلات الممكنة. وفي كل طريق يحدد لي نسبة الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون التي ستنتج عن كل طريق أختاره. وذلك حتى يشعر كل فرد بمسؤوليته تجاه البيئة.nnبعدها ظهرت الكثير من التطبيقات التي تساعد الفرد على القيام بواجبه تجاه الحفاظ على البيئة. حينها فكرت في مدى الاختلاف بين المجتمعين؛ الغربي والشرقي، ومدى اختلاف الثقافتين. هناك اقتناع سائد في عالمنا العربي أنه طالما الشر لا يحدث لنا، فهذا يعني أنه بعيد عنا، لكن في حالة التغير المَناخي فإن ذلك الـ”شر” قريبٌ للغاية. ونحن نرى الآن تأثير التغير المناخي على العالم المتقدم وغير المتقدم؛ من بحيرات متجمدة في كندا وقد تسببت الحرارة في ذوبانها كاملة، وتراجع القطب الشمالي، وطول الصيف وموجات الحر الغريبة في الشتاء، والبرد القارس في دول دائمًا ما وُصف مَناخها بأنه حار صيفًا، ومعتدل شتاءً.nnلكن، ما حل كل تلك المشكلات؟ هل ننشر حملات التوعية، وننصح بالتقليل من استخدام المواد المضرة بالبيئة، وأن ننضم للحملات المناهضة للمصانع والشركات الملوثة للبيئة؟ هل المسؤولية تقع على الشركات متعددة الجنسيات والحكومات بما تتسبب فيه من تلوث جسيم للبيئة باستهلاكها كل ما هو مضر للبيئة بلا حساب وتحميل المواطن الإحساس بالذنب؟ وهل حماية البيئة هي مسؤولية الحكومات والمنظمات البيئية فقط، أم هي مسؤولية فردية كذلك؟nnإن هذا الكتاب يحدِّث الفرد أولًا قبل أية حكومات أو منظمات، ويعلِّمه كيف يمكنه أن يحسب مقدار تأثيره على البيئة. فهو لا يتحدث عن تلوث البيئة أو الحفاظ عليها، لكنه يقدم لنا طريقة عملية لمعرفة نسبة تأثيرنا على البيئة؛ أو ما يُعرف بـ”البصمة الكربونية”. إنه دليل لهؤلاء الذين لن ينضموا لمنظمات الحفاظ على البيئة، أو لن يتمكنوا من “إنقاذ” البيئة، لكنهم على الأقل سيعرفون تأثيرهم عليها وعلى المناخ، وهو ما سيساعدهم في تقليل ذلك التأثير فيما بعد. سيكون الأمر بمثابة خطوات صغيرة نحو تغيير ثقافة الحفاظ على البيئة.nnتكمن أهمية هذا الكتاب في أنه غير موجَّه للفرد الذي يعيش في أوروبا، أو أمريكا، أو أي من الدول المتقدمة، بل هو يحدِّث الشخص العادي الذي يعيش في دول ليس من أولوياتها الحفاظ على البيئة.nnونحن، كدار نشر، نحاول أن نقوم بدورنا في هذه التوعية، ونؤمن بدورنا في تقديمها من خلال ترجمة ونشر الكتب التي تتناول مثل هذه المواضيع وهو أمر لم ينتشر بعد في صناعة النشر والترجمة؛ ومن الكتب التي قمنا بترجمتها في هذا المجال، “الذكاء الأخضر: تطور النباتات وإنقاذ مستقبل البشرية”، والذي يشرح كيف يمكن استغلال النباتات لتقليل التلوث، ويؤكد على أن النباتات لها القدرة على البقاء حتى بعد انقراض الإنسان. وهذا الكتاب، “كيفية حساب بصمتك الكربونية.. المسؤولية الفردية تجاه البيئة”. كلا الكتابان يعتبران دليلًا للفرد للقيام بمجهود ولو قليل لمحاولة الحد من التلوث البيئي على المستوى الشخصي.

معلومات إضافية

اسم الموضوع

سنه النشر