تُهدد ندرة المياه فرص التنمية في العديد من مناطق العالم؛ إذ يؤدي كل من انخفاض وتذبذب معدلات سقوط الأمطار، وارتفاع معدلات التبخر، وتكرار موجات الجفاف إلى انخفاض القدرة على الاعتماد على الموارد المائية وتوفرها، وتمثل الأنهار الدولية ما يقدر بنحو 60% من تدفقات المياه العذبة في العالم؛ فيوجد حوالي (276) نهر دولى في العالم، حيث تُغطى الأنهار الدولية ما يقرب من نصف سطح الأرض. وفي هذا الإطار يُعرف النهر الدولي بأنه النهر الذى يقع في أقاليم أكثر من دولة، أو يفصل بين أراضى أكثر من دولة، تمييزًا له عن النهر الوطنى الذى يقع بأكمله (أى من المنبع إلى المصب) داخل إقليم دولة واحدة ويخضع لسيادة تلك الدولة.
ويؤدى تزايد الطلب على المياه إلى إجبار الدول على تطوير مواردها، حيث يتطلب النمو السكانى والاقتصادات المتنامية المزيد من استغلال المياه، مما يدفع الدول المتشاطئة في أحواض الأنهار الدولية بشكل متزايد إلى اللجوء لهذه الموارد لتلبية الطلب على مياه الشرب والزراعة والطاقة والإنتاج الصناعي مما يزيد من خطر الإفراط في الاستخدام والمترتب عليه تدهور النظام البيئي.
فى ضوء ذلك برزت مناقشات حول إدارة ندرة المياه بشكل عام، وإدارة الأنهار الدولية بشكل خاص. وتذهب بعض الأراء إلى أن المصير المحتوم للدول المتشاطئة على حوض النهر الدولي هو الصراع على المورد المائي، وهيمنة دولة دون بقية الدول على الانتفاع بمياه النهر وموارده، فقد أدى التنافس المتزايد على المياه بين البلدان إلى جدل عام يتسم بالاستقطاب في بعض الأحيان، إذ يتنبأ البعض بمستقبل تتنازعه “حروب المياه” عندما تؤكد البلدان على مطالبها التنافسية على المياه. ومن أمثلة ذلك ما أشار إليه تقرير الأمن المائي العالمي الصادر عن وكالة الاستخبارات الأمريكية CIAفى عام 2012، إلى أن كل من زيادة النمو السكاني والعمراني السريع، وتزايد النشاط الصناعي والزراعي، وتزايد استهلاك الفرد، وتنامى الطلب على الطاقة الكهرومائية، والتغيرات المناخية قد يؤدى إلى زيادة الطلب علي المياه بنسبة تصل إلى 40% بحلول عام 2040، مما قد يؤدي إلى تفاقم الصراعات. ويحذر التقرير من انهيار الاتفاقيات المائية الهشة مما قد يجعل بعض الدول تتجه لاستخدام المياه في المستقبل كأداة للضغط السياسي، على غرار استخدام الغاز والنفط في الوقت الحاضر.
من جهة أخرى، تُشير بعض الدراسات إلى عدم اندلاع أية حروب على المياه منذ 4 اَلاف عام تقريبًا، وإلى اتجاه الدول للتعامل مع مسألة التنافس على المياه العابره للحدود بقدر من التعاون وتقاسم المنافع بدلاً من التنازع. ويذهب هذا الفريق إلى أن التعاون في إدارة موارد النهر والمنافع الناتجة عنه يمكن أن يكون أساس تعاون في عدة مجالات أخرى على المستوى السياسي والاقتصادي وأحيانًا الأمني. وقد عزز هذا الرأي نتائج دراسات وقاعدة البيانات التي طورها أرون وولف ” Aron Wolf” في Oregon state university، والتى توصلت إلى أن كل من التفاوتات في التنمية الاقتصادية، ومستوى البنية التحتية، والتوجه السياسي بين الدول المشاطئة للأنهار الدولية، تزيد من تعقيد إدارة موارد المياه الدولية، وتسبب توترات جديدة. وعلى الرغم من هذه التوترات، انخرطت البلدان المتشاطئة في الدبلوماسية الوقائية، وأسست “سلال من الفوائد” baskets of benefits تؤدي إلى حصيلة إيجابية، ومكاسب مشتركة.
وفي إطار هذا الجدل حول احتمالات التعاون والصراع حول مياه الأنهار الدولية، تتطرق الدراسة لأسباب تعاون بعض الدول في أحواض الأنهار الدولية وصراع الدول في أحواض أخرى
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.